أحزاب لبنان، مقابر للولاء الوطني
يحلو، لـ"المخضرمين" في السياسة اللبنانيّة (التقليديّة)، الإستهزاء بمراحل شبابهم الأولى، عندما كان العنفوان النابض في عروقهم يشدّهم نحو المثاليّة والطموحات المتطلّعة إلى تحقيق المستحيل. وكأنّهم يعتبرون هذه المرحلة من مراحل الوعي السياسي، مراهقة بكل ما للكلمة من معنى إنفعالي، عاطفي ببراءة السذّاج، وميّال أكثر نحو الأحلام منه إلى الواقع
لكنّ هذه الظاهرة، ظاهرة "النضوج السياسي"، تبدو مطابقة، في عوارضها، للنضوج الإنساني العام في المجتمعات التي تمرّ بعصر إنحطاطها
فذلك الطفل الذي أجاب بـ" رائد فضاء "، عندما سألته معلّمة الصف الإبتدائي عمّا يريد أن يصبح عندما يكبر، تغيّرت إجابته إلى "طبيب" أو "محام" أو "مهندس" عندما أصبح في الصفوف المتوسّطة، وسرعان ما أصبح يميل إلى "PR" أو "Business" عندما دخل الجامعة، طامحاً إلى تأسيس شركته العالميّة... أصبح اليوم موظّف لا يستطيع شراء شقّة
هكذا دمّر الإقتصاد المهترئ أحلام الناس في عصر لا يؤمّن تكافؤ الفرص والعدالة الإجتماعيّة، ولا يراعي حاجات المجتمع – لا سيما الطبقات المتوسّطة الزائلة والطبقات الفقيرة المتنامية - من تربية وفرص عمل وبنى تحتيّة تؤمّن حاجات القطاعات الإقتصاديّة الضروريّة للنموّ من مواصلات وإتصالات وطاقة
وهكذا أيضاً، تدمّر الأحزاب السياسيّة في لبنان، الولاء الوطني: فالشاب الحالم العنفواني، الذي ينظر إلى هذا الواقع برفض مطلق للخضوع، وإصرار على التغيير، وطموح بإطلاق ثورة فكريّة إنقاذيّة، تنتقل بوطنه من الإنحطاط نحو نهضة شاملة...يخطو أوّل خطوة بدخول أحد الأحزاب
فإن دخل حزب "بيئته" الطائفيّة، يصبح أمام خيارين: إمّا تحويل ولائه إلى "الزعيم القائد الكبير" وعائلته المالكة، وإمّا الخروج
وإن دخل إلى إحدى الأحزاب العلمانيّة، يصبح أمام خيارين: إمّا تبنّي إيديولوجيّة مستوردة، تضرب هويّته الحضاريّة، وتستهدف إيمانه الشخصي، وتمحي حدود وطنه التي تصون حدود ولائه، بل تفرض عليه أفكارها الغريبة التي لا تتقبّل أي رأي حرّ، وإمّا الخروج
وفي كلا الحالتين، أي في الأحزاب الطائفيّة وأحزاب الإيديولوجيات المستوردة العلمانيّة، يخسر ولاءه لوطنه إن بقي، ويخسره عندما يخرج وقد أصابه اليأس والإستسلام للأمر الواقع. وإن بقي في لبنان بعد هذه "التجارب"، يتحوّل إلى "مخضرمٍ" خبير في الواقع السياسي، يكتفي بالتبشير بالواقع المرير، وربّما يحرّك "عضلاته" السياسيّة من وقت إلى آخرعلى الصعيد العائلي الضيّق في الإستحقاقات الإنتخابيّة
يا ريت في شي حزب:
حزب مسموحة فيه الأحلام، لا بل بيدعي للحلم والطموح يلّي بلامس المستحيل، وما بمارس "فنّ الممكن" يلي ما بيقدر، لا يغيّر هالواقع، ولا يأسّس لنهضة فكرية شاملة تشيل لبنان من عصر الإنحطاط
حزب نضيف، جديد، نوعي، بيحاسب عالغلط، منّو ملك لعيلة ولا لزعيم، ولا بيلعب لعبة السياسة التقليديّة المبنيّة عالإقطاع والمحاصصة والوسايط والفساد
حزب بيشتغل عالأرض، بيحرُك حَرك، مش بينعزل ورا نظريات
حزب علماني مش طائفي، عقيده لبنانيّة، من لبنان ومع لبنان وفي سبيل لبنان، لبنان وبس وما حدا غير لبنان، لبنان كل أرضو مش ناقص منّا شبر، ولبنان كل شعبو، مش ناقص منن مواطن
يا ريت في: حركة الـقـومـيّـة الـلـبـنـــانـيّـة